قال الماوردي في معنى المحاسبة: (أن يتصفّح الإنسان فيليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكلهوضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل).
وأما الحارث المحاسبي فقد عرّفها بقوله: (هي التثبّت فيجميع الأحوال قبل الفعل والترك من العقد بالضمير، أو الفعل بالجارحة؛ حتىيتبيّن له ما يفعل وما يترك، فإن تبيّن له ما كره الله ـ عز وجل ـ جانبهبعقد ضمير قلبه، وكفّ جوارحه عمّا كرهه الله ـ عز وجل ـ ومَنَع نفسه منالإمساك عن ترك الفرض، وسارع إلى أدائه).
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: (هي التمييز بين ما له وماعليه (يقصد العبد) فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه؛ لأنه مسافرٌ سَفَرَ من لايعود). وقال (فمحاسبة النفس هو نظر العبد في حق الله عليه أولا ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانياً) .
أهمية المحاسبة :
للمحاسبة أهمية كبرى تتبين في النقاط التالية :
1- طريق لاستقامة القلوب وتزكية النفوس ؛ فإن زكاتهاوطهارتها موقوف على محاسبتها ، فلا تزكو ولا تطهر ولا تصلح ألبتة إلابمحاسبتها .
2- أنها دليل على صلاح الإنسان وعلى خوفه من الله ؛ فغيرالخائف من الله ليس عنده من الدواعي ما يجعله يقف مع نفسه فيحاسبها ويعاتبها على تقصيرها .
3- أنها طريق للتوبة ؛ وذلك لأنه إذا حاسب نفسه أدرك تقصيره في جنب الله ، فقاده هذا إلى التوبة .
4- يترتب على المحاسبة آثار حميدة سيأتي ذكرها .
5 ـ يترتب على ترك المحاسبة آثار سيئة سيأتي ذكرها .
مشروعية المحاسبة :
يدل على محاسبة النفس ما يلي :
1- قول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)) (الحشر:18) .
ففي هذه الآية أمر الله ـ سبحانه وتعالى ـ العبدَ أن ينظرما قدم ليوم القيامة ، وهل يصلح ما قدمه أن يلقى الله به أو لا يصلح ، ولاشك أن المقصود والهدف من هذا النظر : أن يقوده ذلك إلى كمال الاستعدادليوم المعاد ، وتقديم ما ينجيه من عذاب الله ، ويبيض وجهه عند الله ؛ وهذهفي حقيقتها هي محاسبة النفس .
2- روى أحمد وغيره من حديث شداد بن أوس قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: (( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز منأتبع نفسه هواها وتمنى على الله )) ومعنى دان نفسه : أي حاسبها .- (عَنْحَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيِّ قَالَ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِصَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَكَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِاللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِوَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْعِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَاالأَزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُوبَكْرٍ فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَاوَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهعَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِفَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( وَمَا ذَاكَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِوَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْعِنْدِكَ عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَاكَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَعِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْوَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلاثَمَرَّاتٍ )) ، فهنا حنظلة حاسب نفسه على ما ظنه تقصيراً .
4- ذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ؛ فإنه أهونعليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبريومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) .أسباب فقدها :
لماذا لا نحاسب أنفسنا أو لماذا نقصر في محاسبتنا لأنفسنا ؟ .
هناك أمور تمنع أو تقلل من محاسبة النفس من أهمها :
1- المعاصي : سواء كان ذلك بفعل الكبائر أو بالإصرار علىالصغائر ؛ حيث إن هذه المعاصي تسبب الران على القلب ، فإذا لم يحاسب العبدنفسه ويتوب تراكم هذه الران على قلبه ، وبقدر تراكم هذا الران تقل محاسبتهلنفسه حتى يصبح قلبه لا ينكر منكراً ولا يعرف معروفاً .
2- التوسع في المباحات : لأن هذا التوسع يرغبه في الدنياويقلل تفكيره في الآخرة ، وإذا لم ينظر إلى آخرته ، أو قل نظره إليها قلتمحاسبته لنفسه .
3- عدم استشعار عظمة الله وما يجب له من العبودية والخضوعوالذل ؛ فلو استشعرنا ذلك وعرفنا لله حقه لأكثرنا من محاسبتنا لأنفسنا ،ولقارنا بين نعم الله علينا وبين معاصينا ، ولقارنا بين حقه علينا وبين ماقدمناه لآخرتنا .
4- تزكية النفس وحسن الظن بها: لأن حسن الظن بالنفس يمنع من التعرف على عيوبها وإذا لم تكتشف الداء كيف ستعالجه .
5- عدم تذكر الآخرة : والانشغال بالدنيا ولو وضعنا الآخرة نصب أعيننا لما أهملنا محاسبة أنفسنا