وهو في هذا التسويف يشعر بأن رافدا من روافد القوة قد يجيءمع هذا الموعد، فينشطه بعد خمول ويمنيه بعد إياس. وهذا وهم، فإن تجدد الحياة قبل كلشيء ينبع من داخل النفس.
والرجل المقبل على الحياة بعزيمة وصبر لا تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت، ولا تصرّفه وفق هواها. إنه هو الذي يستفيد منهاويحتفظ بخصائصه أمامها، كبذور الأزهار التي تطمر أكوام السبخ، ثم هي تشق الطريق إلىأعلى مستقبلة ضوء الشمس برائحتها المنعشة!!. وذلك الإنسان إذا ملك نفسه وملك وقته واحتفظ بحرية الحركة لقاء ما يواجهه من شئون كريهة. إنه يقدر على فعل الكثير دون انتظار أمداد خارجية تساعده على ما يريد.
إنه بقواه الكامنة وملكاته المدفونة فيه والفرص المحدودة أو التافهة المتاحة له يستطيع أن يبني حياته منجديد.
لا مكان لتريث، إن الزمن قد يفد بعون يشد به أعصاب السائرين في طريق الحق، أما أن يهب طاقة على الخطو أو الجري لمن لا إرادة أصلا في السير في طريق الحق فهذا مستحيل.
لا تعلق بناء حياتك :
لا تعلق بناء حياتك علىأمنية يلدها الغد، فإن هذا الإرجاء لن يعود عليك بخير. فما بين يديك حاضرا هيالدعائم التي يتمخض عنها المستقل. وكما أن كل تأخير لإنفاذ التجديد في حياتك لايعني سوى إطالة الفترة الكابية التي تبغي الخلاص منها وبقائك مهزوما أمام نوازعالهوى والتفريط. لا بل قد يكون طريقا لانحدار أشد وهنا الطامة. وكما قال رسول اللهصلى الله عليه واله وسلم :
النادم ينتظر من الله الرحمة، والمعجب ينتظر المقت. واعلموا عباد الله أن كل عامل سيقدم على عمله، ولايخرج من الدنيا حتى يرى حُسْنَ عمله وسوء عمله، وإنما الأعمال بخواتيمها، والليلوالنهار مطيتان فأحسنوا السير عليهما إلى الآخرة، واحذروا التسويف فإن الموت يأتي بغتة ولا يغترن أحدكم بحلم الله، فإن الجنة والنار أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، ثم قرأ
]فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍخَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّايَرَهُ[.
ما أجمل أن يعيد النظر الإنسان تنظيم نفسه بين الحين والحين، وأن يرسل نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرف عيوبها وآفاتها وأن يرسم السياسات القصيرة المدى والطويلة المدى لتخلص من هذه الهنات التي تزري به.
بين الحين والآخر أقوم بتنظيم أدراج مكتبي التي تبعثر عليها الأوراق والقصاصات أقوم بترتيب ماهو بحاجة للترتيب وبرمي ما لا معنى له في سلة المهملات، وكما أن الفوضى تدب في البيت بعد أعمال يوم كامل أيضا، تمتد إليه الأيدي الدائبة لتطرد هذه الفوضى.
إن كان هذا حال الأثاث والبيت فألا تستحق حياة الإنسان هذه الجهد والتنظيم؟ ألا تستحق النفس بعد كل مرحلة تقطعها إلى إعادة النظر والمحاسبة؟ إن الإنسان أحوج الخلائق إلى التنقيب في أرجاء نفسه وتعهد حياته الخاصة والعامة بما يصونها من العلل والتفكك. حيث إن الكيان الإنساني قلما يبقى متماسك اللبنات مع حدةالاحتكاك بصنوف الشهوات وضروب المغريات.
كما أن تجديد الحياة لا يعني إدخال بعض الأعمال الصالحة، أو النيات الحسنة وسط جملة من ضخمة من العادات الذميمة والأخلاق السيئة، فهذا الخلط لا ينشئ به المرء مستقبلا حميدا. ولا مسلكا مجيدا. بل إنه لا يدل على كمال أو قبول، فإن القلوب المتحجرة قد ترشح بالخير، والأصابع الكزة قد تتحرك بالعطاء. فالأشرار قد تمر بضمائرهم فترة صحو قليل ثم تعود بعد ذلك إلىسبئاتها، ولا يسمى ذلك اهتداء، وإن الاهتداء هو الطور الأخير للتوبةا لنصوح